في أحد الأيام طلبتْ مني ابنتي دعاء وطلب ابني ضياء –حفظهما الله- المشاركة في برنامج تعلم الرياضيات من خلال العداد الصيني (اليوسي ماس).. وهو أسلوب ترفيهي غير الدراسي المعتاد يهدف إلى تنمية مهارات وسرعة الحساب لدى المتعلمين خاصة من الأطفال.. وبعد أشهر معدودة شاركا في المسابقة الدولية  في دبي 2016م وحققتْ دعاء المركز الأول وحقق الضياء المركز الثالث على مستوى الدول العالمية المتنافسة بأكثر من أربعة ألاف متسابق والحمد لله..

لقد فرضتْ الثورة ضدّ التعليم التقليدي (القائم على التلقين والحشو وطغيان الجانب النظري على الجوانب الحياتية والتطبيقية) على المؤسسات التعليمية ومتخذي القرار وأولياء الأمور انتهاج أساليب مختلفةٍ لجعل التعليم أكثر تفاعلاً وكفاءة وقدرة على تحقيق أهداف العمل التربوي (إكساب الفرد معلومة جديدة وغرس سلوك حميد وتصفيته من سلوك سلبي وتغيير اتجاهات وقناعات).. وقد برز أسلوب التعليم بالترفيه Edutainment بشكلٍ رائع في هذا الاتجاه.

ومصطلح Edutainment تمّ تركيبه من الاسمين Education & Entertainment وهو مصطلح يستخدم اليوم للإشارة إلى التعليم باستخدام وسائل وأشكال وأنشطة الترفيه، وذلك لجعل العملية التعليمية للكبار والصغار على حدٍ سواء أقلّ صعوبة وأكثر إمتاعًا وقدرة على التلقي والاستيعاب بقالب المتعة والتشويق بعيدًا عن جدية وصرامة أغلب دروس وطرق وأشكال التعليم.

يقول نيتشه (في داخل كل منا طفل يتوق للعب) فنحن كبشر مفطورون على حب ّالمرح واللعب.. وقد خلصتْ عدة دراسات أجريتْ حول (آثار اللعب في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي) إلى أنّ الألعاب متى أُحسن تخطيطها وتنظيمها والإشراف عليها فإنها تؤسس أسلوباً فعالاً يتجاوز بكثير سلبيات التعلم التقليدي.. يجمع بين الترويح والجاذبية وخلق الدافع لدى المتعلم ليستخدم كامل طاقاته الذهنية فيصبح الفهم لديه سهلاً وسريعاً ويفتح مجال التفكير والإبداع واكتساب مهارات جديدة، حيث يتمّ استخدام الأدوات والتجارب والوسائل التعليمية الجديدة والأنشطة المرحة في الشرح عوضاً عن الكتاب المدرسي فيعزز من تركيز المتعلم ويشغل جميع الحواس ومبدأ المشاركة وتبادل التجارب والخبرات بين الأعضاء المشاركين..

والألعاب طريقة تربوية لها تأصيلاتها النظرية في جامعات عالمية عريقة، وتطبيقاتها العملية المشاهدة في الدورات التدريبية، والفصول التعليمية في المدارس الغربية خاصة، وبحسب دراسة قامت بها جامعة هارفارد الأمريكية، يمكن للتعليم الممزوج باللعب والترفيه أن يكون له أثرٌ إيجابي، ونتائج مثمرة أكبر على الصعيد الذهني والشخصي لدى المتعلم.

إحصائية نشرتها جامعة كليرمونت الأمريكية في العام  2013م: على موقع “مؤسسة تعليم العقل الإبداعي” أكدتْ أنّ التعليم بالترفيه ساهم بشكلٍ مباشر في رفع تحصيل الطلاب بنسبة 85% في المواد التي تعتمد على التركيز الذهني كالرياضيات، اللغة الإنجليزية، والتعبير الفني.. وذكرتْ الإحصائية أنّ مفهوم التعليم الإبداعي يعتمد في تطبيقه على تحفيز الطلاب، وتنمية مواهبهم، كما يعتمد على توفير مناخٍ تفاعليٍ يتيح للطفل استيعاب المواد التعليمية، وتطوير قدراته، وتنمية روحه القيادية ما يؤهله ويحفزه على اتخاذ القرارات، ويعزز ثقته بنفسه في آن واحد.

هناك نماذج عديدة ومبادرات رائعة في مجال التعليم بالترفيه.. في كافة أرجاء بلادنا ووطننا العربي.. 

يعيب الغالبية منها عدم وجود منهجية وعدم التوثيق الذي يسمح بتحويلها إلى معرفة متداولة..

وهو ما قد يتطلب مبادرة على مستوى رفيع من المعنيين بقرار التعليم في في الحكومات لتبني هذه المبادرات واختيار الأفضل منها ودمجها مع مناهج التعليم النظامية..

أختم هذا الموضوع بنموذج مبادرة الأسترالي إيان ماكيلير مشروع "TheJuggle Box" الذي في منتصف عام 2010 انطلقَ متجوّلاً في عدة مدارس بدولة الإمارات لتقديم عروض تربوية تهدف إلى زيادة وعي شرائح متعددة من الطلاب بشأن صحتهم وأخلاقهم ودراستهم.. وخلال تقديمه لفكرة المشروع قال: "ما أفعله هو تقديم عروض كوميدية هدفها تعليمي بحت، ففي المدارس الابتدائية أقدم شخصية الطاهي والذي من خلاله أقنع الأطفال بضرورة تناول الأطعمة الصحية، وتشجيعهم على اتباع العادات السليمة في حياتهم بشكل جديد ومضحك وممتع ".. ولم تكن عروضه تعتمد على استخدام التكنولوجيا كالكمبيوتر والإنترنت لأغراض التعليم، بل استعاض عنها بأدوات تستخدم يومياً بعروض حية في المدارس.. وليستْ مسجلة بحيث يمكن متابعتها على أقراص الدي في دي".

د. محمد بن يحيي آل مفرح

مبتكر ومؤسس منظومة (الترفيه وفق الطلب - On-demand Entertainment )