نظرية علم الترفيه

د. محمد بن يحيى آل مفرح

لقد تطور العلم من البداية المبكرة للإنسانية.. ومرّ بمراحل عبر العصور والحضارات الإنسانيّة..

من (مرحلة العلم النظري) الذي بدأ على هيئة ملاحظة واكتشاف وتفسير ولم يكنْ للإنسان دور فيه،

إلى (مرحلة العلم التجريبيّ) حيث التجربة المبنيّة على الحواس والاختبار ومن ثمّ القياس على هذه التجربة، يعود الفضل ببدء هذه المرحلة لعلماء مسلمين مثل: جابر بن حيان، والفارابي، وابن سينا الذين أدخلوا ظواهر الطبيعة للمختبرات فاشتغلوا بالكيمياء، والفيزياء، والطب، والرياضيّات، وأسّسوا أرضيّة لعالم التجربة، ليأتي صانع تاريخ الثورة العلميّة الثانية اسحق نيوتن، الذي اكتشف قانون الجاذبيّة وقوانين الحركة، وبيّن أنّ الكون محكوم بقوانين أساسية تجعلنا ننهج المنهج العلمي.. ومن حينها أبدع العلماء في كلّ مجال وتغيرت الحياة بشكل سريع مع اكتشاف وتطبيق نظريات سريعة ومتتابعة..

ثم (مرحلة العلوم النسبيّة) التي دشنها العبقريّ آينشتاين وأحدث ثورة تُعتبر الأكبر في تاريخ العلوم (ليس هناك علم مطلق، بل كلّ شيء خاضع للنسبيّة عبر نظريّته التي تُدعى الزمنكان، والتي تُعنى بالزمان والمكان)، ولا زالت هذه النظريّة حتى الآن هي الأكثر انتشاراً في عالم التطوّر العلميّ..

ولأنّ الإنسان فضولي بطبعه تولدتْ لديه التجارب واكتشف الكثير من قوانين الكون والحياة.. وما زال يسعى وراء الاكتشاف العلمي والتطور بلا نهاية.. حتى أصبح التطور العلمي في نمو سريع جداً وقصرتْ مدة الاكتشافات من قرون إلى عقود ومن عقود إلى سنوات..

                                               إذن.. العلم قيد التقدم لا يتوقف..

احتاج البشر الى الخرائط فظهرتْ عبر العصور من عصر ما قبل التدوين.. وأصبحتْ علماً مستقلاً ووضعتْ أول خارطة متكاملة على يد الادريسي ووصلنا اليوم إلى (خرائط قوقل) التي يمكن أن تخدم كل فرد تقريباً..  

احتاج العالم إلى النفط وزاد دوره فظهر (علم هندسة البترول) كقطاع مستقل في الهندسة التطبيقية عام 1914م ووصل إلى آفاق كبيرة.. منها رسم الاحتياطايات الاقتصادية للدول والتي ما زالتْ في باطن الأرض.  

احتاج العالم إلى تطوير التقنية.. فظهرت علوم الحاسب الآلي ثم تكنولوجيا المعلومات حتى وصلنا إلى عصر الذكاء الصناعي.. وانتقلتْ البشرية إلى آفاق بعيدة جداً خلال فترة زمنية قصيرة جداً..

وظهرت احتياجات كثيرة ومتغيرة مع التطوّر السريع ولا يوجد علم يلبيها بمرونة عاليه تسمح له بتطوير الحياة البشرية والتطوّر معها..

لذلك قام الباحث د. محمد بن يحيى آل مفرح بابتكار (نظرية علم الترفيه) الذي يمكنْ أنْ يهتمّ بمواجهة التحديات والظواهر المتكررة ويلبي الاحتياجات والرغبات البشرية المتعددة والمتجددة بوتيرةٍ متسارعة والتي تعجز العلوم المعروفة عنها.. مثل ظاهرة تزايد رفض وسائل التعلم التقليدية وزيادة الاهتمام بـ (التعليم بالترفيه)، وعدد من الظواهر والاحتياجات التي سيتم عرضها فيما يلي..  

(نظرية علم الترفيه) قطاع جديد للوفاء باحتياجات إنسان القرن 21 والقرون القادمة..

(نظرية علم الترفيه) تخصص ومسار جديد يملك المرونة الكافية ليجاري الرغبات البشرية التي تتجددْ بشكلٍ متسارع في فترات زمنية قصيرة؟!..

(نظرية علم الترفيه)  تناقش وتتصدى لعلاج الظواهر البشرية التي تظهر جراء الثورة التقنية والتطور السريع..

فـ (علم الترفيه) يمكنه أنْ يكون مستقلاً.. ويمكنه أنْ يتكامل مع العلوم الأخرى القائمة لتكون أكثرَ مرونة وقدرة على التأقلمْ مع تغيرات الزمان والمكان.. ومع الآفاق والتوقعات المستقبلية..  

(ظواهر / احتياجات / رغبات) متجددة في القرن الواحد والعشرون:

أولاً: (ظاهرة) كثير من البالغين لا يجدون وسائل وبرامج الترفيه المناسبة في الوقت والمكان المناسب بالتكلفة المناسبة، ولذلك يعاني أغلبهم من الحيرة والفراغ وعدم معرفة ماذا يفعلون في أوقات كثيرة!؟!.. سيما وأنّ كثيراً من خيارات الترفيه المتاحة أمام الأفراد الذين تجاوزوا -سنّ الطفولة- (الشباب والكبار).. لا تتناسب في الغالب مع الرغبات والاحتياجات المرتبطة بالعمر والجنس وطبيعة الحياة الوظيفية والاهتمامات المتنوعة.. ولا يمكنهم في الغالب اختيار التحكم في وقتها ومكانها وتكلفتها.. 

ثانياً: (ظاهرة) ارتفاع التكلفة المالية في سبيل الحصول على الكثير من نشاطات ووسائل الترفيه.. رغم الكثرة الظاهرية لأدوات وبرامج الترفيه في كلّ مجتمع..

ثالثاً: (ظاهرة) كثير من (الأفراد) لا يعرفون ماهي المواهب التي يملكونها فعلياً.. وقد تتلاشى الموهبة أو يهرم صاحبها قبل أنْ يكتشف وجودها فضلاً عن تنميتها والاستفادة منها.. وكثير منهم لا يعرفون أنواع المواهب رغم كلّ التخصصات والزخم المعرفي..

رابعاً: (ظاهرة) اتساع الفجوة في سوق العمل بناء على الصور التالية:

      كثير من أصحاب المواهب/المهارات/القدرات (رياضية/فنية/علمية..إلخ) لا يجدون فرص عمل تناسبهم

     كثير من الناجحين في أعمالهمْ يعتمدون على المواهب/المهارات/القدرات أكثر من التخصص العلمي

     كثير من طلبات فرص العمل تشترط دراسة تخصصات علمية محددة، مع أنّ عدداً كبيراً من فرص العمل الجديدة ليس مرتبطاً 

     بالتخصصات، وأنّ عدداً من التخصصات لا يتوفرْ له فرص كافية في سوق العمل.

خامساً: (ظاهرة) اتساع الرفض لوسائل وصور التعليم التقليدية ورفض الذهاب إلى (فصول التعليم والتدريب) التي تتبنى طرقاً تبدو أقدم بكثير من روح التقنيات الحديثة المتسارعة.

سادساً: (ظاهرة) ضعف العائد الاقتصادي والاستثماري والاجتماعي لكثيرٍ من الأصول (والمشاريع) الحكومية ذات الطابع الترفيهي، والتي قدْ تكون في مجملها شبه معطلةٍ أو لا تقوم بدورها على الشكل الأكمل.. مثل الحدائق العامة والمراكز الشبابية والأندية الرياضية والشواطئ الممتدة والواحات الصحرواية وغيرها.

سابعاً: (ظاهرة) تنامي عدد المشاريع التي تتبنى الترفيه في تحقيق أهداف قطاعات متنوعة مثل العلاج وإعادة تأهيل المرضى، والعمل التطوعي، والإعلام، ونشر الوعي الصحي والرياضي.. وغير ذلك.

بعد عرض ودراسة هذه الظواهر يؤكد د.محمد بن يحيى آل مفرح أنّ قطاع الترفيه قادر على التعاطي معها، حيث

(يكاد يكون كلّ شيء يفعله المرء ليستمتع ويشعر بالسعادة هو من الترفيه تقريباً)..

وأكثر من ذلك: (ليست صناعة السيارات، ولا الصلب، ولا الخدمات البنكية، بل الترفيه هو من يقود عجلة الاقتصاد في العالم)..

بهذه العبارة ابتدأ مايكل وولف كتابه عن اقتصاد الترفيه، الذي حمل إحصائيات ومعلومات مذهلة عن حجم هذا الاقتصاد وتأثيره.. يؤكد وولف أنّ عنصر الترفيه يتحكم في كلّ اختيارات الناس؛ من المراكز التجارية التي يتبضعون منها، ومطاعم الوجبات السريعة التي يتناولون فيها غداءهم، ونوع ملابس النوم التي يشترونها لأطفالهم، وخطوط الطيران التي يقررون السفر خلالها.. الترفيه ليس رفاهية، بل احتياج أساسي، لا يقلّ أهمية عن التعليم والصحة الخدمتين اللتين تأخذان الكثير من اهتمام الحكومات على السواء في الدول النامية والصناعية، وتلعبان دوراً كبيراً في تشكيل التوجهات السياسية والاستقرار الاجتماعي.

ولذلك فمع كلّ هذا الأثر والتقاطع بين الترفيه وكلّ مفاصل حياتنا..

فإنه من المهم جداً أن نخرج الترفيه من الظل.. ونعطيه مكانته الصحيحة.. دون مبالغة ودون تقصير..

ونوجهه لنعيش عالماً واحداً متكاملاً متناغماً يحقق لنا السعادة والانتاجية التي ترتبط بأهداف حياة كل فرد منا..     

فـ (الترفيه): رغبةٌ يشترك البشر في الحاجة إليها باختلاف أجناسهم وأعمارهم وانتماءاتهم.. ويساعد في توطيد العلاقات الاجتماعية فيما بينهم.. ويتيح التعلم والتعرف على الثقافات الأخرى بشكلٍ واسع.. لأنه  نشاط اختياري مقبول وممتع للفرد (والمجموعة).. ولأنه يرتبط بقيمة اجتماعية أو ثقافية أو تعليمية أو رياضية أو سلوكية أو غيرها.. ولذلك فهو متداخل مع كلّ مفاصل الحياة.. وليس مجرّد ضياعٍ للوقت..

(نظرية علم الترفيه) لا يمكن أن تكون علماً نظرياً خالصاً.. لأن هدفها أن تسهم في حل كثير من الطواهر والتحديات التي يواجهها البشر لأسباب عديدة منها التطور السريع.. ولذلك فهو يتداخل مع العلوم الأخرى كوسيلة تجعلها أكثر تأثيرا غالباً.. وهو علمٌ يخرج من قلب التجارب البشرية والمتغيرات الحياتية وينطلق إلى قاعات العلم ليستكمل جوانبه نظرياً.. ويتصدى للتحديات التي لا تحلها العلوم الأخرى ولا أغلب التخصصات القائمة الأخرى..

نظرية (علم الترفيه) تمتاز بقدرٍ من الجرأة لجمع مبادئ نموذجية أصلية متعارضه في واقع اليوم.. فالترفيه الذي يعتبره (كثير من البشر) ضياعاً للوقت.. يُطرح ليكون جوهر بناء الإنسان ونمط الحياة المستقبلية..

(علم الترفيه) يجعلك تستمتعْ وتتقدمْ بفكْرك ومواهبك وقدراتك.. فالترفيه ليس لوقت الفراغ ..بل هو متعه مبنية على قيمة حقيقية..

(علم الترفيه) هو القرار الذي نتخذه بدلاً منْ أنْ ننتظر مستقبلاً نتمنى أنْ يكون جميلاً.. بل نحن من يصنع هذا المستقبل..

(علم الترفيه) يدهش العالم عن طريق إعادة تعريف العلوم والفنون بالكامل.. بأسباب ونماذج تعمل ببطء وليس بأفعال خارقة.. 

(علم الترفيه) سينقل الناس إلى مناطق وأنماط غير التي اعتادوا عليها تماماً..

(نظرية علم الترفيه) توجه البشر للعمل بحيث تكون برامج وخدمات ومشاريع الترفيه وفق الطلب On-Demand Entertainment ويصنعُ واقعاً جديداً يجد فيه الإنسان وسائل وخدمات الترفيه في أي وقت ومكان يحدده باختياره.. وبتكلفة مناسبة.. مع خدمات تشمل جميع لاجوانب.. ويفتح لكلّ فردٍ ومؤسسة -دون أي اشتراطات معقدة- إمكانية العمل الحرّ، ويصنعُ أفقاً جديداً يكون أفراد ومؤسسات المجتمع همْ المستثمرْ والمورّد والعميل والقائم بالخدمة..

د. محمد بن يحيي آل مفرح

مبتكر ومؤسس منظومة (الترفيه وفق الطلب - On-demand Entertainment )